اللغة
تابعونا...
احدث العناوين الأخبار العشوائیة أکثر الأخبار مشاهدة
  • نبارك لكم ذکری ولادة السّیدة زينب الكبرى(سلام الله علیها)
  • وفاة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)
  • نبارك لکم مولد الإمام حسن بن علي العسكري عليه السلام
  • نبارك لکم مولد الرسول الاکرم (ص) وحفیده الامام الصادق(ع)
  • اسعد الله ايامكم بمناسبة حلول عيد الله الاكبر، عيد الولاية، عيد الغدير الاغر
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى استشهاد الإمام محمد الباقر (عليه السلام)
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى استشهاد الامام الجواد (عليه السلام)
  • نبارك لكم ذکری ولادة السّیدة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى استشهاد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
  • نبارك لكم ميلاد أمل المستضعفين الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه
  • نبارك لجمیع الأمة الإسلامیة لاسیما موالي أهل البیت(ع)ذکری ولادة الأقمار الثلاثة
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى استشهاد باب الحوائج الإمام موسی بن جعفر الکاظم (ع)
  • نبارك لكم ذکری ولادة ذكرى ولادة امير المؤمنين (ع)
  • نبارك لكم ذکری ولادة السّیدة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)
  • نعزي بوفاة ام البنین(سلام الله علیها)
  • نبارك لکم مولد الرسول الاکرم (ص) وحفیده الامام الصادق(ع)
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى وفاة الرسول الأعظم (ص) و استشهاد الإمام الحسن المجتبى (ع) و الامام علی بن موسی الرضا (ع)
  • فضيلة المشي في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في ايام الاربعين
  • اعظم الله لنا ولكم الاجر بمصاب ابي الاحرار الحسين بن علي عليه السلام
  • أَسْعَدَ الله أيامكم بعيد الله الأَكبَر يوم اكمال الدين عيدالغدير الأَغَر
  • نبارک الامّة الاسلامیة جمیعاَ بمناسبة مولد ابي الفضل العباس(ع)


    بسم الله الرحمن الرحیم

     سيرة أبي الفضل العباس عليه السلام

    مميزات ولادته (عليه السّلام)

    لقد امتاز أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله في ولادتهم ، حيث كانت ولادته محفوفة بالإرهاصات ، ومشحونة بالقرائن والمقدّمات الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى ، ومقامه الشامخ لديه .

    فهذا الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) قبل أن يولد له العبّاس (عليه السّلام) ، بل وقبل أن يتزوّج باُمّه اُمّ البنين ينبئ عن ولادته ويخبر عن مواصفاته ، ويشير إلى ما يتحلّى به من قوّة الإيمان ، وطهارة النفس ، وشجاعة القلب ، ورحابة الصدر ، ومكارم الأخلاق ، وأنه سوف يعضد أخاه الإمام الحسين (عليه السّلام) في مهمّته ، ويفديه بنفسه ويضحي بما لديه من أجله ، ويستشهد في كربلاء بين يديه .

    وصرّح (عليه السّلام) بذلك كلّه عندما أفضى بأمره إلى أخيه عقيل بن أبي طالب (عليه السّلام) وهو يستشيره بقضية زواجه ، بعد استشهاد سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، حيث قال له : ((انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها ؛ فتلد لي ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي الحسين ، ويواسيه في طفّ كربلاء)).

     

    هذا مضافاً إلى أنّ أنباء ما سيأتي ويتحقق في المستقبل من واقعة عاشوراء ، وأخبار طفّ كربلاء ، والتي من أظهرها وأبرزها وفاء العبّاس (عليه السّلام) ، ومواساته لأخيه الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وحراسته لخيام النساء ومَنْ فيها من بنات الرسالة وودائع النبوّة ، وسقايته لأطفال أخيه ، وتقديم يديه من أجل إيصال الماء إليهم ، وتعويض الله تعالى له عنهما بجناحين يطير بهما في الجنّة ، كلّ ذلك ممّا نزل به جبرائيل عن الله تبارك وتعالى على قلب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأخبر بها علياً (عليه السّلام) وبقية أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وذلك قبل أن يولد أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) .

    المميزات التي امتازت بها ولادة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) من جهة اُمّ البنين (عليها السّلام)

    بعد ولادة اُمّ البنين وترعرعها وبلوغها سنّ الرشد ومرحلة الزواج ترى الرؤيا المباركة المبشّرة بزواجها من رجل عظيم ، والمنبئة عن حصولها على أنجال أربعة : أوّلهم كالقمر المنير ، والثلاثة الباقون كالأنجم الزُهر ، وذلك كلّه قبل زواجها ، بل وحتّى قبل أن يخطبها عقيل من أبيها حزام للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) .

    كلّ ذلك وغيره ممّا يدلّ على امتياز أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) في ولادته المنبئ عن عظمته ، ورفيع مقامه ، ومنزلته عند الله تبارك وتعالى، والشهداء السعداء وعباد الله الصالحون لديه (عزّ وجلّ) .

     

    بشـرى الولادة

     

    روي أنّ قنبراً مولى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال ما مضمونه : بينما كنّا ذات يوم من الأيام مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة وهو يعظنا ويرشدنا ويحذّرنا من النار ويرغّبنا بالجنة ، إذا بأعرابي قد أقبل نحو المسجد ، فأناخ راحلته على باب المسجد ودخل متّجهاً نحونا ، حتّى إذا وصل إلينا سلّم علينا وخصّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالتحية والسّلام ، وقبّل يده الكريمة ، ووقف بين يديه وكأنه يطلب إليه حاجة ، فقال له الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) برأفة وحنان : (( يا أخا العرب ، كأنّك جئتنا في حاجة ، فما هي حاجتك ؟ فإنّها منقضية إن شاء الله تعالى )).

    فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم بها منّي .

    قال قنبر : عندها التفت إليّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وقال يا قنبر ، امض إلى المنزل وقل لمولاتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تناولك السّفط ( وعاء يوضع فيها العطور) الفلاني في موضع كذا وكذا

    فقلت : سمعاً وطاعة ، وحبّاً وكرامة لله تعالى ولسيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين .

    قال قنبر : فقمت مسرعاً ومضيت إلى منزل أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وطرقت الباب مرّتين ، وفي الثالثة جاءت فضة وراء الباب وقالت : مَنْ الطارق ؟

    أجبتها قائلاً : أنا قنبر مولى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وخادم أهل البيت (عليهم السّلام) .

    فقالت فضة : أهلاً ومرحباً بك ، وما حاجتك يا قنبر ؟

    فأخبرتها بما قال لي سيّدي ومولاي وما يريده .

    فقالت فضة : مكانك حتّى آتيك به . فوقفت بالباب انتظر مجيئها ، وإذا بي أسمع جلبة الفرح وصخب السرور يعلو من داخل المنزل ، فتعجّبت ، وانتظرت حتّى إذا رجعت إليّ فضة وأتتني بالسفط سألتها عن سبب ذلك ، فقالت فضة : لقد ولد الساعة للإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) غلام أزهر كأنّه فلقة قمر .

    فقلتُ لها ، وقد امتلأت أنا الآخر فرحاً وسروراً : وممّن هذا المولود الأغر ؟

    فقالت فضة : إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة ، ثمّ أضافت قائلة : وقد أوصتني سيّدتي وسيّدتك السيّدة زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن أقول لك : إذا رجعت إلى مولاي ومولاك الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فبشّره بولادة هذا المولود الأغر ، واسأله عن اسمه وكنيته ولقبه .

    فقلت ، وأنا لا أمتلك نفسي بهجة وفرحاً : حبّاً وكرامة ، وسمعاً وطاعة ، ثمّ هنّأتها وودّعتها . وأقبلت بالسفط مع البشارة بالمولود الجديد مسرعاً إلى سيّدي ومولاي الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فلمّا سلّمته السفط وقفت بين يديه لأُبشّره بما عندي من خبر الولادة ، غير أنّي بقيت أترصّد الفرصة المناسبة لإعلان هذا الخبر وتقديم هذه البشارة السّارة ، حتّى إذا فرغ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من حاجة الأعرابي وأعطاه ذلك السفط التفت إليّ وقال مبادراً : (( ما وراءك يا قنبر ، فإنّي أرى أثر البهجة والسرور طافحاً على أسارير وجهك ؟))

    فقلت ، وقد رأيت الفرصة مناسبة : نعم يا سيّدي ومولاي ، لقد جئتك ببشارة .

    فقال (عليه السّلام) : ( وما هي تلك البشارة يا قنبر ؟ بشّرك الله بالجنّة )) .

    قلت : لقد وُلد لك يا سيّدي ومولاي غلام أغر .

    فقال (عليه السّلام) : ( وممّنْ هذا المولود الجديد ) ؟

    قلت : لقد سألت عن ذلك فضّة عندما أخرجت إليّ السفط ، فقالت : إنّه من اُمّ البنين فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة ، كما وأنها قالت لي : بأنّ سيّدتي السيّدة زينب (عليها السّلام) أوصتني أن اُبشّرك بهذا المولود عندما أرجع إليك وأن أسألك عن اسمه وكنيته ولقبه .

    فلمّا سمع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ذلك تهلّل وجهه فرحاً وسروراً وشكرني على هذه البشارة ، وقال : (( يا قنبر ، إنّ لهذا المولود شأناً كبيراً عند الله ومنزلة عظيمة لديه ، وأسماؤه وكناه وألقابه كثيرة ، وسأمضي أنا بنفسي إلى المنزل لإنجاز ما سنّه لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للمولود عند الولادة , وبعدها من سنن الإسلام ، فهيّا بنا إلى ذلك يا قنبر )) .

     

    الولادة وسننــها

     

    قام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) من مجلسه ذلك وودّع أصحابه ومَنْ كان معه ، ثمّ خرج من مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متّجهاً نحو البيت ، فلمّا دخل المنزل سلّم ـ على عادته ولاستحبابه ـ على مَنْ كان في المنزل من أهله واُسرته الذين كانوا بانتظار قدومه ، وحيّاهم بتحيّة الإسلام ثمّ قال (( ائتوني بولدي)).

    فقوبل (عليه السّلام) بالتحية والبشارة ، ثمّ جيء بولده إليه ملفوفاً في خرقة بيضاء ومقمّطاً بها ، فأخذه وضمّه إلى صدره ، ونثر قبلاته الحارّة على وجهه وخدّيه ، ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، وبعدها أخذ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) يطيل النظر إليه .

    وهنا تمطّى المولود الجديد لاُمّ البنين في قماطه حتّى قطعه ، وأخرج كلتا يديه من القماط ؛ ممّا أثار بذلك ذكريات الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) التي كانت في ذاكرته ممّا نزل بها جبرائيل في حقّ هذا الوليد الجديد من عند الله تبارك وتعالى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأخبره بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من كيفية شهادته في نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) في طفّ كربلاء .

    عندها اغرورقت عينا الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالدموع ، وتناثرت قطرات الدمع على خدّيه كالدرر ورطّبت كريمته الشريفة ، فنظرت إليه إحدى النسوة وقالت : ما يبكيك يا أبا الحسن ونحن في هذه الساعة من فرح وسرور ، وابتهاج وحبور ؟!

    فالتفت إليها أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو يكفكف دموعه بيديه الكريمتين وقال لها ما مضمونه (( لا تلوموني ، فإنّي لمّا نظرت إلى هاتين اليدين وتمطّيه في القماط تذكّرت تمطّيه على جواده في كربلاء ، وانفصال يديه عن جسمه يوم عاشوراء )) . ثمّ أخذ يبكي ويكثر من قوله (عليه السّلام) : (ما لي وليزيد ) .

     

    تاريخ ولادة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام)

     

    لا يخفى أنّ ولادة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) ـ على المشهور وذلك حسب بعض الكتب التاريخية ـ كانت في المدينة المنورة ، وبتاريخ اليوم الرابع من شهر شعبان المعظّم سنة ست وعشرين هجرية (على هاجرها آلاف التحية والسّلام) .

    وعلى هذا فإنّ أبا الفضل العبّاس (عليه السّلام) قمر بني هاشم تلا في ولادته ولادة أخيه شمس الكونين الإمام أبي عبد الله الحسين من حيث اليوم والشهر بيوم واحد وفي نفس الشهر ، ومن حيث السنين والأعوام بثلاث وعشرين سنة وكان ـ على ذلك ـ له من العمر حين استشهد أربعة وثلاثون عاماً

     

    تسمية الوليد الجديد

     

    إنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) كما كان هو أوّل مَنْ آمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فكذلك كان هو أوّل مَنْ سار بسيرته واتّبع طريقته ؛ ولذلك لم يكن ليتعدّ عن نهج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في سنن الولادة ومستحباتها ؛ فإنّه (عليه السّلام) لمّا أجرى المستحبات المأثورة على مولوده الجديد التفتت إليه ـ على ما قيل ـ ابنته عقيلة بني هاشم ، وربيبة الوحي والعصمة السيّدة زينب الكبرى (عليها السّلام) وقالت له : يا أبه ، هل اخترت لهذا المولود اسماً ، وانتخبت له كنية ولقباً ؟

    فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعطف وإقبال : (( نعم يا بُنيّة ، لقد اخترت له كلّ ذلك)) .

    فقالت (عليها السّلام) بلهفة وتعطّش : وما هي ؟

    فقال (عليه السّلام) : أمّا الاسم ، فاسمه العبّاس ؛ وأمّا الكنية ، فكنيته أبو الفضل ؛ وأمّا اللقب ، فلقبه قمر بني هاشم ، وقمر العشيرة ، والسقّاء.

    فأعجب السيّدة زينب ذلك وقالت متفائلة : يا أبه ، أمّا أنّ اسمه عبّاس فعلامة البسالة والشجاعة ؛ وأمّا كنيته أبو الفضل ففيها علامة الشهامة والنبالة ؛ وأمّا لقبه قمر بني هاشم وقمر العشيرة فهو علامة الجمال والكمال والهيبة والجلال ، ولكن يا أبه ، ما معنى أنّه السقّاء ؟

    فالتفت إليها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وبعد أن توسّم في الوليد الجديد شريط المستقبل ، وتصفّح في ملامح وجهه سجلّ الواقع القريب ، وقال وهو (عليه السّلام) يستعرض على ابنته بعض ما في ذلك السجلّ من أنباء وأخبار ، ويحدّثها عن بعض ما فيه من حوادث وملاحم ، وذلك بزفرات متواصلة ، ونبرات متقطّعة

    وخافتة (يا بُنيّة ، إنّه ساقي عطاشى كربلاء )

     

    وما أن سمعت السيّدة زينب (عليها السّلام) من أبيها هذا الجواب ، ورأته مختنقاً بعبرته إلاّ وانخطف لونها , وانصدع قلبها ، وأجهشت بالبكاء ، فلقد ذكّرها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بما حدّثته به اُمّ أيمن عن جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قصة كربلاء وفاجعتها الأليمة ، فلم تتمالك نفسها .

    عندها رقّ لها أبوها أمير المؤمنين (عليه السّلام) فعطف عليها ، وأخذ يسلّيها ويخفّف عنها وطأة الخبر المفجع ، ووقعة النبأ العظيم نبأ كربلاء وسقاية العطاشى ، قائلاً ( بنية زينب ، تجلّدي واصبري ، وكفكفي دموعك ، وخذي أخاك إلى اُمّه ؛ فإنّ له معك لموقف مشرّف ، وشأن عظيم).

    وهنا سكنت السيّدة زينب (عليها السّلام) من بكائها وهدأت من فورتها ، وكفكفت دموعها ، ثمّ تناولت أخاها الوليد من يدي أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وأخذت تنثر على وجهه لثماتها الحارّة وقبلاتها الساخنة ، وأقبلت به إلى اُمّه اُمّ البنين التي بقيت بانتظارها .

    نعم ، كانت اُمّ البنين تنتظر السيّدة زينب (عليها السّلام) بفارغ الصبر ؛ لتطّلع عبرها على اسم وليدها الجديد وكنيته ولقبه ؛ لذلك لمّا رأتها مقبلة به استقبلتها بنظراتها الحانية ، وقالت متسائلة : وهل انتخب مولاي الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لولدنا اسماً ، واختار له كنية ولقباً ؟

    فأجابتها السيّدة زينب (عليها السّلام) بانطلاق وحبور : نعم يا اُمّاه ، لقد انتخب له أحسنها وأجملها .

    عندها قالت اُمّ البنين بلهفة واشتياق : تفضّلي يا سيّدتي عليّ ببيانها .

    فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) : أمّا اسمه فهو عبّاس ؛ وأمّا كنيته فهي أبو الفضل ؛ وأمّا لقبه فهو قمر بني هاشم .

    وما أن سمعت اُمّ البنين بلقب وليدها الجديد قمر بني هاشم الذي لقّبه به أبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلاّ وتذكّرت رؤياها التي رأتها قبل زواجها ؛ فتهلّل وجهها وانشرح صدرها ، وانطلق لسانها بالحمد والشكر على الله سبحانه وتعالى ، وأخذت تقول : الحمد لله الذي صدقني الرؤيا وحقّق لي وعده .

    عندها سألتها السيّدة زينب (عليها السّلام) عن منامها وعن قصة رؤياها ، فقصّت عليها اُمّ البنين رؤياها التي كانت قد رأتها قبيل زواجها من الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وكيف انقضّ القمر من كبد السماء في حجرها .

    فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) وهي تلثم أخاها الرضيع وتقبّله : نعم ، لقد صدقت رؤياك ، إنّ وليدك هذا قمر بني هاشم ، وهو أجلّ من القمر وأفضل ، إنّه قمر العشيرة أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) .

     

    التسمية برواية اُخرى

     

    وجاء في بعض الكتب المعتبرة أنّ اُمّ البنين يوم وضعت حملها ، وولدت أوّل أشبالها قمّطته بقماط أبيض ، وقدّمته إلى أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليجري عليه سنن الولادة من التسمية وغير ذلك ، فلمّا أخذه أمير المؤمنين (عليه السّلام) قرّبه إلى فمه ومسح على عينيه وفمه بلسانه الشريف ـ ولعلّه حتّى يكون ممّن يرى الحقّ ويسمع الحقّ وينطق بالحقّ ـ ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثمّ التفت إلى زوجته الوفيّة اُمّ البنين ومَنْ حولها وقال (ما سمّيتموه ؟).

    فأجابته اُمّ البنين بتأدّب واحترام قائلة : وما كنّا لنسبقك في شيء يا أمير المؤمنين .

    فشكر الإمام أمير المؤمنين شعورها الطيّب ووفائها الجميل ، ثمّ قال : إنّي سمّيته باسم عمّي العبّاس عباساً ثمّ ضمّه إلى صدره ، وأخذ بيديه الصغيرتين ورفعهما إلى فمه ولثمهما بقبلاته الساخنة ، واستعبر باكياً وهو يقول : كأنّي بيديه هاتين تقطعان يوم الطفّ عند مشرعة الفرات في نصرة أخيه الإمام الحسين (عليه السّلام ) . فاستعبرت اُمّه ومَنْ كان معها ، وفوّضت أمره وأمرها إلى الله تعالى .

    لا يخفى أنّ من قصّة تقبيل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) يدي ولده الرضيع أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) يعلم ـ بالإضافة إلى ما فيه من بيان عظمة مقام الوليد وشرف منزلته عند الله تعالى ـ أنّ تقبيل الإنسان يدي أولاده من باب المحبّة لهم والشفقة عليهم جائز ، كما كان يفعل ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من باب المحبّة ، ومن باب التعظيم والتشريف ، وبيان المقام والمنزلة مع ابنته فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين (عليها السّلام) ؛ حيث كان يقبّل يديها ، ويقوم لها من مقامه ويجلسها في مجلسه .

    قيل : إنّه لمّا مضت أيام على ولادة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) جاءت السيّدة زينب (عليها السّلام) إلى أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) يوماً وهي تحمل أخاها العبّاس (عليه السّلام) ، وقد ضمّته إلى صدرها ، وقالت له : أبه يا أمير المؤمنين ، ما لي أرى قلبي متعلّقاً بهذا الوليد أشدّ التعلّق ، ونفسي منشدّة إليه أكبر الانشداد ؟

    فأجابها أبوها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بلطف وحنان قائلاً : وكيف لا تكونين يا أبه كذلك وهو كفيلك وحاميك ؟.

    فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) بتعجّب : إنّه كفيلي وحاميني ؟!

    فأجابها (عليه السّلام) بعطف وشفقة : نعم يا بُنيّة ، ولكن ستفارقينه ويفارقك.

    فقالت السيّدة زينب (عليها السّلام) باستغراب : يا أبتاه ، أيتركني هو أم أتركه أنا ؟

    فقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو يجيبها بلهفة ولوعة : بل تتركينه يا بُنيّة وهو صريع على رمضاء كربلاء ، مقطوع اليدين من الزندين ، مفضوخ الهامة بعمد الحديد ، ضامٍ إلى جنب الفرات .

    فلم تتمالك السيّدة زينب (عليها السّلام) لمّا سمعت ذلك حتّى أعولت وصاحت : وا أخاه ! وا عبّاساه !

    نشـأته (عليه السّلام)

    ارتضع أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) من اُمّ وفيّة ، ووالدة كريمة منتمية إلى بيت كريم ، وأسرة نجيبة ، وذات عراقة وأصالة ، ومجد وسؤدد ، ألا وهي ـ كما عرفت ـ فاطمة بنت حزام الوحيديّة الكلابيّة المكنّاة بـ (اُمّ البنين) (عليها السّلام) ، وتربّى في أحضانها ، وتروّى من إيمانها وولائها ، وعلمها ومعرفتها ؛ حيث إنّها كانت من الفاضلات العالمات .

    كما وترعرع في حجر والد كريم وسيّد عظيم ، نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووصيّه ، وخليفته من بعده ، وارث علم النبيِّين وسيّد الوصيِّين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنات النعيم ، الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام.

    لقد كان أبو الفضل العبّاس (عليه السّلام) ملازماً لأبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) أيام إقامته في المدينة المنورة ، ثمّ هاجر معه (عليه السّلام) إلى العراق وأقام معه في الكوفة ، وهو في كلّ ذلك تحت عنايته الشفيقة ، ورعايته التربوية الحكيمة ، فاكتسب من هذين الأبوين الكريمين كلّ مكرمة وفضيلة ، وورث منهما بالتربية والوراثة المكارم والأخلاق الحميدة ، والعلم الجمّ والمعارف الإلهية النبيلة .