اللغة
تابعونا...
احدث العناوين الأخبار العشوائیة أکثر الأخبار مشاهدة
  • نبارك لكم ميلاد أمل المستضعفين الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل الله فرجه
  • نبارك لجمیع الأمة الإسلامیة لاسیما موالي أهل البیت(ع)ذکری ولادة الأقمار الثلاثة
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى استشهاد باب الحوائج الإمام موسی بن جعفر الکاظم (ع)
  • نبارك لكم ذکری ولادة ذكرى ولادة امير المؤمنين (ع)
  • نبارك لكم ذکری ولادة السّیدة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)
  • نعزي بوفاة ام البنین(سلام الله علیها)
  • نبارك لکم مولد الرسول الاکرم (ص) وحفیده الامام الصادق(ع)
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى وفاة الرسول الأعظم (ص) و استشهاد الإمام الحسن المجتبى (ع) و الامام علی بن موسی الرضا (ع)
  • فضيلة المشي في زيارة الإمام الحسين عليه السلام في ايام الاربعين
  • اعظم الله لنا ولكم الاجر بمصاب ابي الاحرار الحسين بن علي عليه السلام
  • أَسْعَدَ الله أيامكم بعيد الله الأَكبَر يوم اكمال الدين عيدالغدير الأَغَر
  • نهني و نبارک لکم ذکری مولد بولادة الإمام علي النقي عليه السلام
  • نهنی بمولود الحسین و السجاد و ابا الفضل العباس علیهم صلوات الله
  • اعظم الله اجورنا و اجورکم بذكرى وفاة الرسول الأعظم (ص) و استشهاد الإمام الحسن المجتبى (ع) و الامام علی بن موسی الرضا (ع)
  • زیارة الحسین علیه السلام في الاربعین
  • أَسْعَدَ الله أيامكم بعيد الله الأَكبَر يوم اكمال الدين عيد الغدير الأَغَر
  • نهنی و نبارک لکم ذکری مولد الامام علی بن محمد الهادی علیه السلام
  • نعزي العالم الاسلامي باستشهاد الإمام محمد الباقر عليه السلام
  • عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الإمام محمد الجواد عليه السلام
  • نهنی و نبارک لکم ذکری مولد شمس الشموس و انیس النفوس السلطان الامام علی ابن موسی الرضا علیه السلام
  • نهني العالم الاسلامي بولادة الإمام الباقر (ع)


    بسم الله الرحمن الرحیم 

    شخصية الإمام الباقر (ع)وعصره

     

    1- ولادة الإمام الباقر (ع)وصفته البدنية

       ولد (ع)في الأول من رجب سنة سبع وخمسين ، وقبض في سابع ذي الحجة سنة أربع عشرة ومئة ، فكان عمره الشريف سبعاً وخمسين سنة . وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي ، فهو حفيدٌ للحسن والحسين (عليهما السلام) ، قال الصادق (ع):(كانت أمه صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها). ( الدعوات/69، والدر النظيم/603) .

      وجاء في وصفه (ع)أنه شبيه جده النبي (ص)  في ملامح وجهه ، حنطي اللون ، له خال على خده ، ضامر الكشح أي ليس بطيناً مع أنه بدين ، حسن الصوت ، مطرق الرأس. (مناقب آل أبي طالب:3/339) .

       وتميز الإمام الباقر من بين الأئمة(عليهم السلام) بأنه أكثرهم بدانةً وجسامةً . فعن سدير قال: (قلت لأبي جعفر (ع): أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ فقال: ما أصليها إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم ، وبلغت هذا السن ). (الكافي:3/410 ) .

      وفي فقه الرضا/183، عن الإمام الصادق (ع): (وكتب أبي في وصيته: أن أكفنه في ثلاث أثواب ، أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر وقميص... وشققنا له القبر شقاً من أجل أنه كان رجلاً بديناً ، وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات).

     

    2- أدرك الإمام الباقر جده الإمام الحسين (عليهما السلام)

    كان الإمام الباقر مع أبيه زين العابدين في سفره مع جده الحسين(عليهم السلام) الى كربلاء وكان عمره أربع سنوات . وروى حادثة عن جده الحسين (عليهما السلام)في مكة ربما كان عمره فيها ثلاث سنوات ، ففي الكافي:4/223، أن زرارة سأله: ( أدركتَ الحسين (ع)؟ قال (ع): نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام ، وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل ! ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه . قال: فقال (ع): يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقال: أصلحك الله يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام ، فقال: ناد أن الله تعالى قد جعله علماً لم يكن ليذهب به ! فاستقَرُّوا . وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (ع)عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوَّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم . فلما فتح النبي (ص) مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (ع)فلم يزل هناك إلى أن وليَ عمر بن الخطاب ، فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟! فقال رجل: أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع (حزام للبعير وغيره) فهو عندي فقال: إئتني به فأتاه به فقاسه ، ثم رده إلى ذلك المكان) ! وقال اليعقوبي في تاريخه:2/320: (قال أبو جعفر (ع): قتل جدي الحسين ولي أربع سنين ، وإني لأذكر مقتله ، وما نالنا في ذلك الوقت). انتهى.

       ومعنى عبارته الأخيرة (ع)أنه عايش جيداً أحداث كربلاء ومأساتها ، والأسْر الى الكوفة فالشام ، لكن لم يصلنا من روايته (ع)إلا قليل ! فمن ذلك أنه عندما رفع الحسين (ع) رضيعه ، وطالب أعدائه أن لايمنعوا عنهم الماء ، ورماه حرملة بسهم فأصابه في نحره: (تلقى الحسين (ع)الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال: هَوَّنَ عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله . قال الباقر (ع): فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض). (اللهوف/69) . وقال الباقر (ع):(أصيب الحسين بن علي ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم) . (روضة الواعظين/189).

       وفي شرح الأخبار:3/54: (كانت كلها في صدره ووجهه (ع)لأن كان لايولي) .

       وقال الباقر (ع): (إن الحسين لما حضره الذي حضره ، دعا ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصيةً ظاهرةً ، ووصية باطنة . وكان علي بن الحسين مبطوناً لا يرون إلا أنه لِمَا به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ، ثم صار ذلك إلينا . فقلت: فما في ذلك الكتاب؟ فقال: فيه والله جميع ما يحتاج إليه ولد آدم إلى أن تفنى الدنيا ). (بصائر الدرجات/168، وإعلام الورى:1/482).

    أقول: أودع الإمام الحسين (ع)مواريث النبي (ص) عند أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وأوصاها أن تسلمها الى من يعطيها علامة ، فسلمتها الى الإمام زين العابدين (ع)لما رجع من الشام وأعطاها العلامة . أما هذا الكتاب الذي كان معه (ع)في كربلاء ، فهو وصيته (ع).

     

    3- وكان عضد أبيه الإمام زين العابدين (عليهما السلام)

    رافق الإمام الباقر والده (عليهما السلام)في مراحل حياته وكان وزيره وعضده . وعندما توفي والده سنة أربع وتسعين ، كان الباقر (ع)في الثامنة والثلاثين من عمره ، وكان وارث أمجاد أبيه وخليفته بلا منازع . قال الذهبي يصف زين العابدين (ع): (وكان له جلالة عجيبة ! وحقَّ له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى ، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه ، وكمال عقله). (سير الذهبي:4/398) .

     

       وتقدم أن الزهري سأل زين العابدين (ع): (يا ابن رسول الله هذا الذي أوصيت إليه أكبر أولادك؟ فقال: يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالصغر والكبر ، هكذا عَهِدَ إلينا رسول الله (ص)  ، وهكذا وجدنا مكتوباً في اللوح والصحيفة . قلت: يا ابن رسول الله فكم عهد إليكم نبيكم أن تكون الأوصياء من بعده ؟ قال: وجدنا في الصحيفة واللوح اثني عشر أسامي مكتوبة بأسماء آبائهم وأمهاتهم ، ثم قال: يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهدي).(كفاية الأثر/241).

       وقد أعطاه أبوه في حياته مواريث الأنبياء(عليهم السلام) : (أخرج سفطاً أو صندوقاً عنده فقال: يا محمد إحمل هذا الصندوق ، قال فحُمل بين أربعة . فلما توفي جاء إخوته يدَّعون ما في الصندوق فقالوا: أعطنا نصيبنا من الصندوق فقال: والله ما لكم فيه شئ ، ولو كان لكم فيه شئ ما دفعه إليَّ . وكان في الصندوق سلاح رسول الله (ص) وكتبه ) . (الكافي:1/305 ، وإعلام الورى/500) .

    وكان الى جنب أبيه (عليهما السلام)في المراحل الصعبة.. في ثورة أهل المدينة وحملة يزيد الوحشية عليهم في وقعة الحرة . وما تبعها من حملة يزيد على ابن الزبير واستباحته الكعبة . ثم هلاك يزيد واضطراب خلافة بني أمية ، ثم قتلهم معاوية بن يزيد (ره) . ثم سيطرة مروان بن الوزغ وأولاده على العرش الأموي ، ثم موت مروان بعد شهور وسيطرة ابنه عبد الملك ، وحربه مع المختار ثم في حربه مع ابن الزبير ، التي امتدت أكثر من عشر سنين . وفي أثنائها بنى عبد الملك (كعبة) على صخرة بيت المقدس وأحجَّ المسلمين اليها بدل مكة !

    كما عايش الإمام صمود أبيه (عليهما السلام) ، ورفضه ضغوط الثائرين باسم الحسين (ع)، من التوابين والمختار وابن الأشتر ، وتأييده في نفس الوقت كل من يأخذ بثأر الحسين (ع) ، ومدحه المختار (ره)لأنه قتل عدداً من قتلة الحسين (ع) .

    كما عاصر سيطرة ابن الزبير على الحجاز بعد هلاك يزيد ، وحكم المختار للعراق وما تبعه أكثر من سنتين ، ثم حرب مصعب بن الزبير له وانتصاره عليه .

     وعاصر علاقات أبيه (عليهما السلام)المتفاوتة في توترها وهدوئها ، مع يزيد بن معاوية ، ومروان ، وعبد الملك ، والحجاج ، وابن الزبير ، والخوارج ، وعرف في المدينة الشاب المترف عمر بن عبد العزيز ، المحب لأبيه الإمام زين العابدين (ع).

    كما حضر مجالس أبيه (ع)وسمع جواهر علومه ، وعرف تلاميذه ، من محمد بن شهاب الزهري ، الى العُبَّاد والمتصوفة ، الى تلاميذه الخاصين كيحيى بن أم الطويل ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وحكيم بن جبير بن مطعم ، وكميل بن زياد ، وسعيد بن جبير .

      كما شاهد الباقر (ع)تقديس الأمة لأبيه زين العابدين (عليهما السلام) ، فقد كان معه في مكة عندما انفسح له الناس ليستلم الحجر ، فحسده هشام بن عبد الملك وتجاهله ، فارتجل الفرزدق (ره)قصيدته الخالدة: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. فحبس الفرذزدق فهجاه بقوله: يقلب رأساً لم يكن رأس سيد .. وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها !

     كما عاصر الإمام الباقر أباه (عليهما السلام)في صموده في وجه العداء الأموي وتحريف الإسلام ، فقد شاركه في حملات دفاعه القوية ضد التحريف والعداء وفي كشف مؤامرة قريش على الأئمة من العترة النبوية(عليهم السلام) ، وفي عمله النبوي في تشييد صرح التشيع وبناء الفئة الثابتة من الأمة .

    كان مع أبيه (عليهما السلام)في المدينة وفي سفر الحج ، وفي اعتزاله سنين في البادية ، وسفراته المتخفية لزيارة قبر جده أمير المؤمنين والحسين(عليهم السلام) ومسجد الكوفة .

      ورأى إعجاب عبد الملك بأبيه زين العابدين (ع)ومكائده له في نفس الوقت ، وكان مبعوث أبيه اليه ليعالج مشكلة النقد والطراز مع الروم ، كما بينا في سيرة أبيه (عليهما السلام) . ثم عاصر الإمام (ع)بعد هلاك عبد الملك ، عهد ابنه الوليد ، صاحب الشخصية المعقدة والجرائم المنكرة ، وأعظمها قتله للإمام زين العابدين (ع) !

     

    4- لمحة عن عبادة الإمام (ع)وأخلاقه

     تقدم عن محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول/424: (صفا قلبه وزكى عمله ، وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه ، وعمرت بطاعة الله أوقاته ، ورسخت في مقام التقوى قدمه ، وظهرت عليه سمات الإزدلاف ، وطهارة الإجتباء).

     وفي الصواعق المحرقة/201: (وارثه منهم عبادةً وعلماً وزهادة: أبو جعفر محمد الباقر .. أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة.. صفى قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين) .

    وقال الذهبي في سيره:4/403: (وبلغنا أن أبا جعفر كان يصلي في اليوم واللية مئة وخمسين ركعة) . وفي معارج الوصول للزرندي الشافعي/121: (كان الباقر محمد بن علي من العلم والزهد ولسان الحكمة بمحل عظيم ، وله في معاني الزهد ودقائق العلوم في التوحيد كلام جم جسيم).

    وقال ابن العماد في شذرات الذهب:1/149: (قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ منه: أهل التقوى أيسر أله الدنيا مؤونة وأكثرهم معونة ، إن نسيت ذكروك ، وإن ذكرت أعانوك ، قوالين بحق الله ، قوامين بأمر الله).انتهى. هذا ، وقد ذكرنا نماج من إخباراته بالمغيبات (ع) ، في فصل بشارة النبي (ص) به وتسميته باقر علم النبوة .

     

     5- الجبارون ومشاريع الجبارين الذين عاصرهم الإمام (ع)

    عاصر الإمام (ع)سنوات حكم يزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك الذي توفي سنة86 ، وأبناء عبد الملك: الوليد قاتل الإمام زين العابدين (ع)سنة94 ، وتوفي الوليد سنة 96 ، ثم سليمان ، وتوفي سنة99 ، ثم عمر بن عبد العزيز وتوفي سنة101، ثم يزيد بن عبد الملك وتوفي105 .

     كما أدرك الإمام الباقر (ع) تسع سنين من حكم الطاغية هشام بن عبد الملك ، الذي ارتكب جريمة قتل الإمام (ع)سنة114 ، ثم هلك هشام سنة125، وبعد سبع سنوات من هلاكه انهار النظام الأموي بثورة العباسيين .

     ونقصد بمشاريع الجبابرة: الشخصيات التي كانت تعمل للثورة على بني أمية وأخذ السلطة ، وتتبنى نفس منهج بني أمية في قتل من خالفها واضطهاده ، وظلم المسلمين والإستئثار بثرواتهم ! فقد كان شعار يالثارات الحسين (ع)واحترام النص النبوي ، أو احترام إرادة الأمة في اختيار حكامها ، واحترام دمائها وكرامتها وملكيتها وحقوقها الفردية والعامة ورد ظلامات المسلمين الى أهلها ، أموراً غائبةً عن منهج هؤلاء الثوار ، حتى لو رفعوها شعارات لجذب الجمهور المرهق المسكين ! فحكمهم نفس الحكم الجبري الأموي ، وقائدهم طاغ جبار وإن تسمى بخليفة النبي (ص) وانتسب بالقرابة الى النبي (ص) !

     هذه نظرة الإمام الباقر (ع)الى مشاريع الثورة على بني أمية ، التي أخذت في عصره تتشكل في حركات سرية ، لكن أخبارها علنية !

     كان الإمام (ع)ينظر الى الفقهاء بأنهم مرتزقة غير صادقين فكيف بالسياسيين ! فقد سأله رجل عن مسألة فأجابه الإمام (ع)، فقال الرجل: (إن الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال: يا ويحك وهل رأيت فقيهاً قط؟! إن الفقيه حق الفقيه: الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة ، المتمسك بسنة النبي (ص) ). (الكافي:1/70) .

     وقد تقدمت تسمية الإمام (ع)لأبي جعفر المنصور بالجبار عندما دخل بعض آل العباس الى المسجد فقال لهم (ع): ما منع جباركم من أن يأتيني؟! فعذَّروه عنده فقال: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها)! (الكافي:8/210) .

      وفي دلائل الإمامة للطبري/219، بسند صحيح عن الأعمش (ره)قال: (قال لي المنصور: كنت هارباً من بني أمية أنا وأخي أبو العباس ، فمررنا بمسجد المدينة ومحمد بن علي الباقر جالس ، فقال لرجل إلى جانبه: كأني بهذا الأمر وقد صار إلى هذين ! فأتى الرجل فبشرنا به فملنا إليه وقلنا: يا بن رسول الله ما الذي قلت؟ فقال: هذا الأمر صائر إليكم عن قريب ولكنكم تسيئون إلى ذريتي وعترتي فالويل لكم عن قريب ! فما مضت الأيام حتى ملك أخي وملكتها ).

     أقول: كان المنصور عند وفاة الإمام الباقر (ع)في العشرينات من عمره . وكان كغيره من العباسيين تابعين للحسنيين بقيادة كبيرهم عبدالله بن الحسن المثنى، الذي ادعى أن ابنه محمداً هو المهدي ، وأخذ له البيعة منهم بالإمامة والخلافة ! ( قال عمير بن الفضل الخثعمي: رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه ، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود وأبو جعفر ينتظره ، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب ، ثم سوى ثيابه على السرج ومضى محمد . فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداُ: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال: أوما تعرفه ؟ قلت:لا . قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، مهدينا أهل البيت).(مقاتل الطالبيين/161).

     

    6- الجبارون في عصر الإمام الباقر (ع)كالجبارين في عصر هود (ع)

     كان الإمام الباقر (ع)أبرز شخصيات بني هاشم ، مُهاباً من الدولة محترماً من أصحاب مشاريع الثورة ، يقوم بثورته على طريقته ، فيرسخ معالم الإسلام كما نزل من عند الله تعالى على جده (ص)  ، ويفضح التحريف الحكومي ومؤامرة قريش على أئمة العترة النبوية ، الذين اختارهم الله ورسوله لإمامة الأمة .

       لذلك كان منطقه (ع)هادراً قوياً كمنطق نبي الله هود (ع) ، لأن معاصريهما جبابرة أشداء ، فوجب أن يكون منطقهما (عليهما السلام)كاسحاً لأفكارهم الباطلة وغرورهم !

       وقوم هود (ع)هم عاد الأولى والثانية ، أصحاب حضارة بعد قوم نوح (ع) وعاصمتهم الأحقاف في اليمن والجزيرة ، وكانوا جبارين ذوي ثروة ، وأجسام ضخمة ، وكان لابد لمنطق نبيهم (ع)أن يتناسب مع حالتهم في القوة والشدة !

       قال الله تعالى في سورة الأعراف: قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ . أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَاتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِى فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِين .

       وقال تعالى في سورة فُصِّلَتْ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ . إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لانْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَأَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ .

     

       وقال في سورة الحاقة: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ .

       والآيات فيهم كثيرة ، وأسوأ منهم الجبارون المعاصرون للنبي (ص) وأهل بيته(عليهم السلام)  ، فهم فراعنة كما قال الله تعالى لهم: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. (المزمل:15) ، وقال فيهم النبي (ص) بعد أن اضطروا لخلع سلاحهم وإعلان إسلامهم: (يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين ! قد امتحن الله قلبه على الإيمان ! قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال هو خاصف النعل ، وكان أعطى علياً نعله يخصفها). (الترمذي:5/298، وصححه ، ونحوه أبو داود:1/611 . راجع صراع قريش مع النبي (ص) للمؤلف/50).

       وهم أنفسهم الذي جاهدهم علي والأئمة من أبنائه(عليهم السلام)  ! لذلك نرى أن منطق الإمام الباقر (ع)كان معهم قوياً كاسحاً قاصعاً ، كمنطق نبي الله هود (ع) ، وأن أحاديثه تميز بجرأتها وصراحتها في كشف مؤامرة قريش وشرح فريضة ولاية أهل البيت النبوي(عليهم السلام) والبراءة من ظالميهم وأعدائهم . ولتسميته بالباقر علاقة بذلك ، حيث لبَّد المحرفون سماء ثقافة الأمة بغيوم الجاهلية الأموية واليهودية ، فاحتاجت الى من يبقر العلم ويفجر النور ويبدد غيوم التحريف .

     7- الإمام يصف حالة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في زمن بني أمية

        وصف الإمام الباقر (ع)اضطهاد بني أمية لأهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم ، فقال لبعض أصحابه كما في شرح النهج:11/43: (يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا؟! وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس؟! إن رسول الله (ص) قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجَّت على الأنصار بحقنا وحجتنا ! ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد ، حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ، ثم غُدر به وأُسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده ! فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل !

        ثم بايع الحسين (ع)من أهل العراق عشرون ألفاً ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه ! ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ، ونحرم ونقتل ونخوف ! ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا !

       ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس ! وكان عِظَمُ ذلك وكِبْرُه زمن معاوية بعد موت الحسن (ع) ، فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره ! ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (ع). ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال شيعة علي (ع)! وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعاً صدوقاً ، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ولا كانت ولا وقعت ! وهو يحسب أنها حق ، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع ) ! انتهى.

        كما وصف الإمام الجواد (ع)اضطهاد تلاميذ الإمام زين العابدين (ع)الخاصين قال: (أما يحيى بن أم الطويل فكان يظهر الفتوة ، وكان إذا مشى في الطريق وضع الخلوق على رأسه ويمضغ اللبان ويطول ذيله ، وطلبه الحجاج فقال تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله . وأما سعيد بن المسيب فنجا وذلك أنه كان يفتي بقول العامة وكان آخر أصحاب رسول الله (ص) فنجا . وأما أبو خالد الكابلي فهرب إلى مكة واخفى نفسه فنجا . وأما عامر بن واثلة فكانت له يد عند عبد الملك بن مروان فلهى عنه . وأما جابر بن عبد الله الأنصاري فكان رجلاً من أصحاب رسول الله (ص)  فلم يتعرض له وكان شيخاً قد أسن . وأما أبو حمزة الثمالي وفرات بن أحنف ، فبقوا إلى أيام أبي عبد الله ، وبقي أبو حمزة إلى أيام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)).(رجال الطوسي:1/338 ). هذا ، وتبلغ مفردات الإضطهاد والظلم التي ذكرها الإمام (ع)أو لم يذكرها مجلدات، لأنها تغطي قرناً كاملاً ، ابتداء من وفاة النبي (ص) .

    8- صَمَتَ الإمام الباقر سبعَ سنين بعد أبيه (عليهما السلام)

       بعد سبع سنوات من شهادة الإمام زين العابدين (ع)حدثت فُسحةٌ على عامة المسلمين ، وعلى أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم خاصة ، وذلك بهلاك الطاغية سليمان بن عبد الملك ، الذي لم يكن له ولد يصلح للخلافة ، ورأى ضعف الدولة الأموية يتفاقم بسبب نقمة المسلمين وظلم الأجهزة وفسادها ! ورأى أن الناس يميلون الى ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، ويلهجون باسمه للخلافة لما عرف به من استقامة ، فأوصى له وبعده لأخيه يزيد بن عبد الملك . فكان عمر بن عبد العزيز نشازاً بين الملوك الأمويين لأنه (عادل) بين جبابرة ، أي أعور بين عميان !

       وقد روى محبوه أن الإمام الباقر (ع)سئل عنه فقال: (أما علمت أن لكل قوم نجيبة وأن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده). (سير الذهبي:5م120، وتاريخ دمشق:45/147، وتهذيب الكمال:21/439) . وقد تكون الرواية صحيحة لكنها لا تدل على نجاته , بل على تميزه على ملوك قومه .

      وكان عصر ابن عبد العزيز الفرصة الموعودة في مقادير الله تعالى للإمام الباقر (ع)، قال الشيخ الطوسي (قدس سره)  في رجاله:1/339: (عن القاسم بن عوف قال: كنت أتردد بين علي بن الحسين وبين محمد بن الحنفية وكنت آتي هذا مرة وهذا مرة . قال: ولقيت علي بن الحسين (ع)فقال لي: يا هذا إياك إن تأتي أهل العراق فتخبرهم أنا استودعناك علماً ، فإنا والله ما فعلنا ذلك ! وإياك أن تترايس بنا فيضعك الله ، وإياك أن تستأكل بنا فيزيدك الله فقراً ، واعلم أنك إن تكن ذنباً في الخير خير لك من أن تكون رأساً في الشر . واعلم أنه من يحدث عنا بحديث سألنَاه يوماً، فإن حدث صدقاً كتبه الله صديقاً، وإن حدث وكذب كتبه الله كذاباً !

       وإياك أن تشد راحلة تُرَحِّلُها ، فإنما هاهنا يطلب العلم، حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثم يبعث الله لكم غلاماً من ولد فاطمة (عليها السلام)  ، تنبتُ الحكمة في صدره كما ينبت الطَّلُّ الزرع ! قال: فلما مضى علي بن الحسين حسبنا الأيام والجمع والشهور والسنين ، فما زادت يوماً ولا نقصت حتى تكلم محمد بن علي بن الحسين باقر العلم ، صلوات الله عليهم). انتهى.

       ويدل ذلك على أن ظرف الإمام زين العابدين (ع)وإن سمح بقدر من مقاومة التحريف ، إلا أنه لم يسمح بطرح خط أهل البيت(عليهم السلام) إسلاماً ربانياً مقابل إسلام السلطة الأموية ، وعقيدةً صحيحة مقابل عقيدتها الرسمية ، وخطاً سياسياً مقابل خط السلطة . وأن هذا الظرف سيستمر سبع سنين بعد وفاته (ع)هي بقية حكم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان وشطر من حكم عمر بن عبد العزيز ، فالحجات السبع تبدأ من وفاته (ع) سنة94 ، فيكون آخرها سنة100 هجرية في خلافة عمر بن العزيز ، حيث بدأت في صفر سنة99 ، وانتهت بموته مسموماً سنة101 هجرية .

       ومعنى قول الإمام زين العابدين (ع): (وإياك أن تشد راحلة تُرَحِّلها... أي لاتتعب نفسك في طلب العلم الحقيقي، فلا يوجد عند علماء السلطة ، ولا قبل سبع سنين حيث سيبدأ الباقر (ع)بطرح مذهب أهل البيت(عليهم السلام) إسلاماً متكاملاً مقابل إسلام السلطة .

     9- كان عهد عمر بن عبد العزيز منطلقاً للإمام الباقر (ع)

       (كانت ولاية عمر ثلاثين شهراً... وتوفي لست بقين من رجب سنة 101 ، وهو ابن تسع وثلاثين سنة ، وكان أسمر ، رقيق الوجه حسن اللحية ، غائر العينين بجبهته أثر ، وعهد إلى يزيد بن عبد الملك). (اليعقوبي:2/308 ، والطبري:5/318).

       وكان في وجهه أثر جرح من رفسة فرس ويسمى أشجَّ بني أمية . (فتن ابن حماد/75) .

       وكان عهده على قصر مدته متنفساً للمسلمين من اضطهاد قومه بني أمية ! وسبب استخلافه أن سلفه سليمان بن عبد الملك كان ظلوماً عسوفاً أكولاً لايكاد يشبع! لكن كانت لعمر بن عبد العزيز يدٌ عليه حيث وقف معه لما أراد أخوه أن ينتزع الخلافة منه ، فحفظها له سليمان وكتب له عهده عندما عاجله الموت وهو شاب ، ونصه: (هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز: إني قد وليتك الخلافة من بعدي ، ومن بعدك يزيد بن عبد الملك ، فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ، ولا تختلفوا فيطمع فيكم). (تاريخ الطبري:5/306) . وأمر أولاده وهو يحتضر أن يبايعوه: (ونزل عمر بن عبد العزيز قبره وثلاثة من ولده ، فلما تناولوه تحرك على أيديهم فقال ولد سليمان: عاش أبونا ورب الكعبة ! فقال عمر: بل عوجل أبوكم ورب الكعبة ! وكان بعض من يطعن على عمر يقول دَفَنَ سليمان حياً . وكانت ولاية سليمان بن عبد الملك سنتين وثمانية أشهر ، وخلف من الولد الذكور عشرة ). ( اليعقوبي:2/299) .

       أقول: أراد الله تعالى في مطلع القرن الثاني للهجرة ، أن يفتح باب رحمة على أمة نبيه (ص) وباب عذاب على بني أمية ! وقد شعر بنو أمية خطر خلافة ابن عبد العزيز عندما أعلن إدانة الخلفاء قبله بظلمهم للمسلمين ومصادرتهم حرياتهم واستباحتهم أموالهم، وأعلن أنه سيحقق العدالة ويرد ظلامة كل مظلوم ! وباشر بإعادة الحريات  وأصدر المراسيم بتغيير الولاة ورد الظلامات ، فاستنفر بنو أمية ضده وكانوا قبيلة كثيرة بيدهم مفاصل الدولة ، وقتلوه بعد سنتين بالسم ، وأعادوا الظلم كما كان ، ونصبوا بعده يزيد بن عبد الملك ، ثم الطاغية هشام بن عبد الملك الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الباقر (ع)بالسم على يد والي المدينة أو غيره من المقربين اليه .

     

       والنص التالي يكشف الفرق في نظر الإمام الباقر (ع)بين سليمان بن عبد الملك وخليفته عمر بن عبد العزيز: فقد روى اليعقوبي في تاريخه:2/306 ، أن عمر بن عبد العزيز ذكر الإمام زين العابدين (ع)يوماً فقال: ( ذهب سراج الدنيا وجمال الإسلام وزين العابدين ! فقيل له: إن ابنه أبا جعفر محمد بن علي فيه بقية ، فكتب عمر يختبره ، فكتب إليه محمد كتاباً يعظه ويخوفه ! فقال عمر: أخرجوا كتابه إلى سليمان فأخرج كتابه فوجده يقرظه ويمدحه ، فأنفذ إلى عامل المدينة وقال له: أحضر محمداً وقل له: هذا كتابك إلى سليمان تقرظه ، وهذا كتابك إليَّ مع ما أظهرت من العدل والإحسان ! فأحضره عامل المدينة وعرفه ما كتب به عمر فقال: إن سليمان كان جباراً كتبت إليه بما يكتب إلى الجبارين ، وإن صاحبك أظهر أمراً فكتبت إليه بما شاكله ! وكتب عامل عمر إليه بذلك فقال عمر: إن أهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل) ! انتهى.

       ومعناه أن سليمان برأي الإمام (ع)جبارٌ لا يتحمل أن يطرح الإمام مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، فكان يداريه كما دارى الأنبياء(عليهم السلام) فراعنة عصورهم . أما ابن عبد العزيز فأعلن أنه يريد تحقيق العدل ويتحمل النصيحة ، فكتب له الإمام (ع)بما كتب . فأعجب ذلك عمر .

       لقد كان عهده فرصة للإمام (ع)ليبدأ مشروعه في الجهر بالحق ، وينشط تلاميذه في البلاد لنشر الإسلام ! فبَقَرَ الإمام الباقر (ع)علوم جده (ص) وفجَّرها ، كما بَقَرَ طريق الثورة على الأمويين ، وشقها أمام فئات الهاشميين !